كان «الميركاتو الأوروبي»، صيفه كما شتاؤه، مسرحية يجري إخراجها بطريقة «فجة»، حتى لا أقول سخيفة، استخفافها بعقول الناس.
إلى المزاد الموسمي يُساق لاعبون بالعشرات، وتجري المناقصة عليهم بشكل غير مقبول، الكبار يلتهمون الحيتان، والصغار يكتفون بما عافته الدلافين، تصرف الملايين بذكاء بالغ، للكبار الأرقام الفلكية وللصغار المبالغ الانتحارية.
وحتى عندما حضر إلى سوق كرة القدم شرطي المرور الأوروبي الذي يدقق في المزادات، في صورة ما عرفناه بـ «الروح الرياضية المالية»، لم ينته السوق الأوروبي من جنونه وطيشه.
وظن الأوروبيون أن كبار نجوم كرة القدم في العالم لا مكان لهم ليبدعوا وليغتنوا، سوى أوروبا، وتحديداً الأندية التي تتسلطن في الدوريات الخمس الأقوى في العالم، لولا أن «ميركاتو» هذا الصيف يشهد إعصاراً ذهب بوعي الأوروبيين، وأصاب بالكساد المضاربين ووكلاء الفساد، ونقل كرة القدم إلى مستويات تعجز كل وصف، مستويات تنبأ بها محللون ومدربون واستباقيون، ولكن لا أحد استمع إلى ما يقولونه، أو وصفوه بالهذيان وبأضغاث أحلام.
استمعت لمدربين وخبراء وازنين، يجيدون تحليل الظواهر لاستقراء المستقبل لا لقراءة البخت، وحذروا من زمن سيأتي على كرة القدم يسحب خلاله البساط من تحت الأوروبيين، وما أظن إلا القليل من ترك ذلك صدى في أذانهم ووقرا في ذاكرتهم، فكانت الإشارة الأولى هي الطريقة الرائعة والفريدة شكلاً ومضموناً، التي أخرجت بها قطر النسخة الأخيرة من كأس العالم، فكان ذاك نسفاً لعقول أوروبية صغيرة، استصغرت بل استنكرت على بلد عربي تنظيم حدث مثل كأس العالم.
وكانت الإشارة الثانية، هي اختيار كريستيانو رونالدو الانضمام إلى النصر السعودي في «الميركاتو الشتوي»، وقال بعض ممن في قلوبهم مرض، وعلى عيونهم عمى، إنها صفقة «فولكلورية»، وإن النصر رمى أموالاً طائلة عرض البحر، وإن «رونالدو» جنى من الصفقة تقاعداً من ذهب، فكان الجواب على هذا «العته» قاسياً ومريراً، هو اليوم مصدر علة وقلق وخوف لدى الكثيرين في أوروبا. وسط فلول من الوكلاء والمضاربين، الذين استوطنوا زمناً سوق الانتقالات الأوروبي، كان هناك مفاوض سعودي، يصمم بطريقة رائعة اختراقاً عربياً للسوق المحظورة، فكان هناك استقطاب لكبار النجوم، ممن كانوا أحراراً، وممن تم شراء أو كسر عقودهم، وما كان يبدو للبعض أنه نزوة، تحول إلى عملية مبرمجة بدقة متناهية، الغرض منها هي رفع قيمة الدوري السعودي، ليكون ذا جاذبية، وينافس في التسويق والمتابعة الدوريات الأعرق في العالم.
وإن رأى من ضاق أفقهم أن الأندية السعودية كسرت قواعد اللعب النظيف، فإن ما نشاهده وهذا الحشد الكبير من الأساطير يشد الرحال للجزيرة العربية، هو تحول كبير في مسار كرة القدم، لم يحدث بسبب المال فقط، بل بفضل الذكاء الذي أظهره أناس يملكون البراعة في التفاوض مع النجوم.